تلعب مصر دورا هاما فى الوساطة بين الفصائل الفلسطينية ودولة الاحتلال من أجل إيقاف حمام الدم فى قطاع غزة، حيث اتخذت مصر خطوات مهمة لإجهاض مخطط إسرائيل بالتهجير القسرى للفلسطينيين من أرضهم.
لعل أهم ما يميز الموقف المصرى من القضية الفلسطينية هو الثبات والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، ومن أجل ذلك تقوم مصر بمجهودات مضنية على كافة الأصعدة لوقف إطلاق النار نهائيا، وإعادة الهدوء إلى قطاع غزة المحاصر منذ السابع من أكتوبر 2023، فضلاً عن توفير ممر آمن لدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية وكافة الاحتياجات اللازمة للفلسطينيين بقطاع غزة، فالقضية الفلسطينية هى القضية المركزية لكل المصريين.
حيث تتحرك القيادة المصرية على ثلاث أصعدة بشكل متوازٍ لتكوين رأى عام عالمى داعم لحقوق الشعب الفلسطينى المشروعة فى إقامة دولته وفقًا للمرجعية الدولية، حيث تخوض مصر أشرس معاركها الدبلوماسية من أجل الضغط على إسرائيل لوقف ممارستها اللا إنسانية ضد الفلسطينيين.
فى هذا الإطار، صرَّح السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمى ومدير إدارة الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية، بأن سامح شكرى وزير الخارجية تلقى اتصالاً هاتفياً يوم اليوم السبت من "كاترين كولونا" وزيرة أوروبا والشئون الخارجية الفرنسية.
وذكر المتحدث الرسمى باسم الخارجية المصرية، أن الوزيرين تناولا بشكل مستفيض التطورات الخاصة بأزمة قطاع غزة فى ظل الأوضاع الإنسانية المأساوية، وتبادلا التقييمات بشأن الجهود الدولية المطلوبة لضمان نفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع بشكل كافٍ ومستمر.
فى هذا السياق، أكد الوزير شكرى على ضرورة التنفيذ الكامل لبنود قرار مجلس الأمن رقم 2720 المتضمن إنشاء آلية برعاية أممية لتسريع ومراقبة عملية إنفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، مطالباً نظيرته الفرنسية بالعمل خلال رئاسة بلادها لأعمال مجلس الأمن خلال شهر يناير الجارى على متابعة تنفيذ القرار وضمان تحقيق أهدافه ومقاصده.
وأضاف السفير أبو زيد، أن وزير الخارجية أعاد التأكيد خلال الاتصال على رفض مصر القاطع لأية إجراءات أو تصريحات تشجع على مغادرة الفلسطينيين خارج أراضيهم، مطالباً بضرورة توقف التصريحات غير المسئولة والتحريضية التى تصدر بشكل متكرر عن بعض المسئولين الإسرائيليين فى هذا الشأن، والتى أكد المجتمع الدولى والدول الكبرى والأمم المتحدة رفضها لها جملةً وتفصيلاً.
وكشف أبو زيد، أن مناقشات شكرى وكولونا تطرقت أيضاً إلى التطورات على الساحة اللبنانية، والتهديدات المتزايدة للملاحة فى البحر الأحمر، حيث حذرا من المخاطر الجمة المحيطة بسيناريوهات توسيع رقعة الصراع وما تمثله من تهديد لاستقرار المنطقة بأكملها وللسلم والأمن الدوليين.
وفى هذا الإطار، أكد الوزير سامح شكرى على ضرورة اضطلاع الأطراف الدولية بمسئولياتها تجاه دعم تحقيق الوقف الشامل والدائم لإطلاق النار فى غزة لإنهاء الوضع الإنسانى المأسوى الذى يعانى منه الأشقاء الفلسطينيون، وكذا ضرورة وضع حد للعنف والانتهاكات الإسرائيلية المتزايدة فى الضفة الغربية، مشدداً على أن طول أمد الأزمة الراهنة، واستمرار الفشل فى وقف الاعتداءات الإسرائيلية المخالفة لكافة أحكام القانون الدولى، ينذر بمخاطر تهدد مستقبل تعامل المجتمع الدولى مع القضية الفلسطينية، فضلاً عن توسيع دائرة العنف والدخول بالمنطقة فى مغامرة غير محسوبة العواقب.
واتفق الوزيران على استمرار التشاور خلال الفترة القادمة بشأن الإجراءات اللازمة على مسار احتواء الأزمة فى غزة، والحد من تداعياتها.
بدوره، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير الدكتور محمد حجازى، أن زيارة وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، الرابعة خلال ثلاثة أشهر إلى المنطقة، هى طوق النجاة الأخير لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، لمنع اندلاع صراع إقليمى بالشرق الأوسط وخفض التوتر وطرح رؤية لما بعد حرب غزة.
وأضاف السفير حجازى، فى تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أنه أن الأوان لكى تضع جولة وزير خارجية أمريكا الحالية، إلى كل من تركيا واليونان والأردن وقطر والإمارات والسعودية وإسرائيل والضفة الغربية ومصر، حدًا لفشل الحكومة الإسرائيلية فى إدارة الأزمة، وتدفع بالتحرك طبقًا لأسس باتجاه مشهد سياسى يفضى إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وإدارة القطاع وفقًا لرؤية فلسطينية موحدة مع الضفة الغربية وإعادة الإعمار بغزة والسير باتجاه آلية سياسية تقود لحل الدولتين، وهى الرؤية التى طرحتها مصر على الأطراف ومتداولة حاليًا.
وأكد مساعد وزير الخارجية الأسبق أن زيارة بلينكن للمنطقة، بآفاقها السياسية وأفكارها ومقترحاتها المأمولة، تحمل فى طياتها الأمل الوحيد لانتشال إسرائيل بل والمشهد برمته من هذا المسار المدمر وغير الأخلاقى، والذى يثقل الرأى العام العالمى المتيقظ، ويعيد الرشد تدريجيًا للحكومات الغربية المتواطئة.
واعتبر أن تلك الزيارة قد تكون مدخلًا يسهم فى إنجاح حملة الرئيس الأمريكى جو بايدن الرئاسية، الذى عليه أن يدرك أنه إذا ساهم فى حل الأزمة الراهنة، كما فعل الرئيس السابق جيمى كارتر فى التوصل لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، سيكون هذا هو الرصيد الوحيد الباقى له سواء داخليًا أو خارجياً لنيل الثقة الدولية، وسيساعد حملته الانتخابية لتحقيق أهدافها، أما بقاؤه (بايدن) فى هذه المساحة المهينة والمدمرة لدور ومكانة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط والعالم، والتى قاد فيها مشهد الحرب لكل هذا الدمار والقتل والتواطؤ مع إسرائيل، سيؤدى إلى نزول شعبيته لأدنى حد مع بداية عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية والمقرر لها نوفمبر القادم.
وأوضح أن واشنطن أعطت لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو كل ما يحتاجه من وقت، ودعم لوجستى وعسكرى، ومساهمة فى إدارة المعركة، وحماية بالأساطيل البحرية، وإسناد دبلوماسى غير مسبوق فى الأمم المتحدة، وتجييش دول أوروبية وراء الموقف الإسرائيلى، إلا أن نتنياهو لم ينجح فى تحقيق الأهداف التى كان مقدرا فشلها منذ البداية سواء فيما يتعلق بالإفراج العسكرى عن الرهائن أو القضاء على حركة المقاومة بقطاع غزة.
ورأى أن الولايات المتحدة الأمريكية تعلم أن مصالحها الاستراتيجية باتت مهددة بالمنطقة، وأن جولة بلينكن الشرق أوسطية تستهدف طرح رؤية تقود إلى التهدئة ووقف إطلاق النار وتبادل الأسرى المتبقين وتهيئة الأجواء لحكومة ما بعد المعارك، وبحث مستقبل القطاع والقضية الفلسطينية، والأهم إفشال مخطط التهجير القسرى أو الطوعى.
ونبه بأن "نتنياهو" يستدرج المشهد لمزيد من التعقيد والديمومة وتوسيع نطاق الحرب، خاصة أنه يعلم أن أمره قد انتهى فى اليوم التالى لانتهاء الحرب، علاوة على ما ينتظره من مساءلات قانونية سواء فى جرائمه الداخلية أمام القضاء الإسرائيلى، أو دوليًا لمقاضاته على تكلفة ما حدث من النواحى الإنسانية والذى يؤهله للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، حيث تكتمل أركان جريمة الإبادة الجماعية فى النية المبيتة ضد الفلسطينيين، واستخدام أدوات التطهير العرقى سواء كان فى القصف الجوى المريع على قطاع غزة أو فى منع الدواء والغذاء والطاقة ضد شعب أعزل خاصة فى فصل الشتاء، وقتل ما يقارب 23 ألف مدنى من بينهم نحو 13 ألف طفل.
فى هذا الإطار، أكد وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن خلال زيارته الحالية الشرق أوسطية أن المحادثات بشأن حرب غزة ليست سهلة.
وكتب بلينكن - فى منشور عبر حسابه الرسمى على منصة "إكس" للتواصل الاجتماعى اليوم الأحد، " أنا فى الشرق الأوسط هذا الأسبوع للقاء شركائنا فى المنطقة بشأن الوضع فى غزة.. هذه ليست بالضرورة محادثات سهلة، ولكن من الضرورى أن ننخرط فى هذه الدبلوماسية الآن من أجل مستقبل غزة نفسها ومستقبل الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء ".